«واشنطن بوست»: تصويت البرلمان البريطاني لصالح «الموت الرحيم» يثير جدلاً حقوقياً
«واشنطن بوست»: تصويت البرلمان البريطاني لصالح «الموت الرحيم» يثير جدلاً حقوقياً
أثار تصويت مجلس العموم (البرلمان البريطاني) في 29 نوفمبر لصالح تشريع الموت الرحيم في حالات المرض العضال جدلاً حقوقيًا واسعًا حول حدود الحرية الفردية، بينما يرى المؤيدون في هذا القرار انتصارًا للحق في اختيار مصير الحياة والموت.
ويطرح المعارضون تساؤلات بشأن التحديات الأخلاقية والقانونية التي قد تترتب على توسيع مفهوم الحرية في قضايا الحياة والموت، وهو ما يكشف عن أزمة حقيقية تواجه الفكر الليبرالي في مواجهة قيم إنسانية عميقة، ويعيد تسليط الضوء على مشكلة وضع قيود على الحرية الفردية في مسألة ترتبط بأحد أعمق وأعقد المواضيع في حقوق الإنسان. بحسب مقال للكاتب شادي حامد اليوم الأحد في صحيفة “واشنطن بوست”.
حدود الليبرالية
وسلط شادي حامد في مقاله وهو كاتب عمود وأستاذ باحث في الدراسات الإسلامية بمعهد فولر اللاهوتي، ومؤلف للعديد من الكتب، الضوء على الجدل الدائر حول تشريع الحق في الموت، مشيرًا إلى أن هذا النقاش يُظهر نقاط الضعف في الفكر الليبرالي عندما يتعلق الأمر بقضايا تتجاوز مفهوم الحرية الفردية.
اعتبر مؤيدو التشريع أن هذا القرار انتصار للحرية الفردية وتعزيز للحقوق الأساسية، مشيرين إلى أن بريطانيا تأخرت في هذا المجال مقارنة بدول غربية أخرى.
اتساع نطاق التشريعات في الدول الأخرى
واجهت دول عدة مثل هولندا وبلجيكا وكندا تحديات مماثلة بعد إقرار قوانين الموت الرحيم، بدأت هولندا هذا المسار عام 2001، حيث كان القانون يقتصر على المرضى المصابين بأمراض مستعصية، لكنه توسّع تدريجيًا ليشمل حالات مثل الأمراض النفسية والخرف وحتى كبار السن الذين يشعرون بأنهم عاشوا بما يكفي.
كما سمحت بلجيكا بالموت الرحيم للقُصّر، بينما أصبحت سويسرا وجهة لما يُعرف بـ"سياحة الانتحار"، وفي ألمانيا، أقرّت المحكمة الدستورية وجود حق أساسي في "الموت الذاتي المحدد".
أما في كندا، فقد شهد برنامج "المساعدة الطبية في الموت" (MAID) إنهاء حياة نحو 45 ألف شخص، مع زيادة سنوية قدرها 30% على مدار ثلاث سنوات، وفقًا لتقرير حكومي صدر عام 2022.
مأزق وضع الحدود
أوضح شادي حامد في مقاله أن الليبرالية أثبتت صعوبة في وضع قيود واضحة للحرية الفردية، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية مثل الحياة والموت، واعتبر أن المجتمعات الليبرالية الحديثة تخلّت عن الأطر الثقافية والدينية التي أعطت معنى لهذه القضايا، واستبدلتها بحسابات باردة تعتمد على الموافقة الشخصية.
المقارنة مع الولايات المتحدة
اتخذت الولايات المتحدة نهجًا أكثر تحفظًا، حيث أُقرّ الموت الرحيم في 11 ولاية فقط، معظمها ذات ميول ليبرالية، وكان هذا الموقف نابع من القيم الدينية والثقافية الراسخة في المجتمع الأمريكي، بالإضافة إلى الشكوك تجاه البيروقراطية الحكومية، ورغم ذلك، شهدت ولاية كاليفورنيا زيادة بنسبة 63% في حالات الموت بمساعدة الطبيب عام 2022، وفق قانون “خيار نهاية الحياة”.
أهمية القيود الأخلاقية
ركّز شادي حامد على أن المجتمعات الليبرالية بحاجة إلى قيود أخلاقية تضمن عدم الإفراط في توسيع حرية الاختيار، وأوضح أن التقاليد الدينية توفر هذه الضوابط، مشيرًا إلى أن الأمريكيين الذين يحضرون الكنيسة أسبوعيًا أقل دعمًا للموت الرحيم بنسبة 33% مقارنة بغيرهم.
انحدار نحو مستقبل مجهول
حذر شادي حامد من أن توسع برامج الموت الرحيم دون ضوابط أخلاقية قد يؤدي إلى نتائج كارثية، ورأى أن التغيير ضروري، لكن الإفراط فيه قد يُسفر عن كوارث غير متوقعة.
يعرف الموت الرحيم بالعديد من المصطلحات الأخرى مثل الموت الجيد، أو الموت اليسير، أو الموت الكريم، كما كان يعرف بقتل الرحمة، أو رصاصة الرحمة، وهي مصطلحات تدل على معنى واحد هو إنهاء عذاب مريض استحال شفاؤه من مرضه، ومن ثم تسريع إنهاء حياة المريض.